الثلاثاء، 29 يوليو 2008

الغربة

أخذت تقلب كفيها في غرابة كيف لم تستطع تمييز الأشياء .. لماذا تنساب النقود القليلة من بين راحتيها كما الماء في حين كان الأحرى لها أن تدخر لغدر الزمن؟!! .. كل الناس تخلوا عنها حتى أقرب الأقرباء بعد رحيل زوجها إلى ارض الاحلام وانقطاع اخباره.

كانت أفكار غريبة عجيبة تطرق رأسها في عنف .. تعلل وتستنتج وتبني قصورا من الرمال ثم تهدمها عدة مرات على رؤوس الجميع .. كم تمنت الموت في أحيان ومناسبات عديدة .. ولكن ما ذنب طفليها الصغيرين فمن اجلهما فقط تشبثت بتلابيب الحياة تحت خط الفقر في مجتمع أبرز معالمه الخطوط.

قالت تخاطب نفسها " شكل الشمس سيحت نفوخي وخلتنى أهبل .. كان احسن جيت بدري بعد صلاة الفجر علطول كان زماني خلصت." لم تكد تنهي الجملة حتى جاء طفل صغير يدعوها لمقابلة صاحب المخبز .. ترددت قليلا ولكنها سرعان ما اقتحمت غرفة الادارة لتستطلع الأمر فربما اعانها على شراء ما تحتاج إليه من أرغفة العيش .. كان في العقد الرابع من عمره ممتلئ الجسم طويلا اسمر البشرة مما يدل على جذوره الصعيدية .. استقبلها في ترحاب وبشاشة قائلا بعد أن اغلق الباب " اتفضلي استريحي .. الموضوع ببساطة اني عاوزك .. في الحلال او في الحرام مش هتفرق." وأضاف :" زي ما انت عارفه انا راجل مقتدر وانت وحدانية وصعبانة على تيجي كل يوم وانت مش وش بهدلة .. ليكي على يا ستى ان وافقتي انت هبعت عيش ليكي وللجيران ولكل عيلتك كمان."

لم تصدق ما يحدث وكأن هذه الكلمات تقال لإنسان اخر .. لهذه الدرجة هانت في عيون الناس .. لهذه الدرجة رخصت وصارت مطمعا لكل من هب ودب .. أرادت الصراخ ولكنها لم تستطع فمن وقع الصدمة تيبست اطرافها وعجز لسانها عن النطق للحظات .. ولكنها وبعد جهد كبير صرخت في وجهه بأعلى صوتها: "يا ابن الكلب هي حصلت." لم يمهلها كثيرا إذ طرحها ارضا ثم هاجمها بشراشة .. اخذت تصرخ بجنون وتدفعه بكل ما اوتيت من قوة :"حرام عليك سيبنى في حالى.. حراااااام ."

"يا ساتر يا رب .. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ." صرخ زوجها وهو يحتضنها: "مالك يا ام محمد." .. فتحت عينيها غير مصدقة ما يحدث :"بلاش نزعل من بعضنا تاني." وألقت بنفسها بين ذراعيه تحتمي بهما من آلام الغربة.

ليست هناك تعليقات: